عندما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم كان في مكة عدد من الشعراء، وبعد هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة تطاول شعراء مكة على الرسول والمسلمين فاضطر شعراء الأنصار إلى الدفاع عن الإِسلام مثل حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة، وقد دفعت هذه الخصومة شعراء مكة إلى الإِكثار من الشعر. ومن شعراء مكة عبد الله بن الزبعرى، وضرار ابن الخطاب، وأبو سفيان بن الحارث.
أما الشعراء الذين دخلوا في الإِسلام من غير شعراء مكة والمدينة فقد قل شعرهم أو توقف، ومن هؤلاء لبيد بن ربيعة العامري، وكعب بن زهير. ويرى ابن خلدون أن الشعراء أحجموا عن قول الشعر عند نزول الوحي، ولما رأوا أن الإِسلام لم يحرم الشعر عادوا إليه، وهذا القول فيه نظر؛ لأن الشعر لم يتوقف عند بعثة الرسول أو عند هجرته وإنما ازدهر الشعر في مكة والمدينة بسبب ظهور الإِسلام، أما فتور الشعر بعد فتح مكة فيعود إلى ورع الشعراء وعدم إطلاق العنان لألسنتهم، فالإِسلام نفَّر من الشعر السيء ولكنه لم يحرم الشعر فقد ورد في القرآن الكريم: {والشُعَرَاءُ يَتَّبعُهم الغَاوُون. أَلَمْ تَرَ أَنّهُمْ في كُلِّ وادٍ يَهِيْمُونَ. وأنّهُم يَقُولُون مَالا يَفْعَلُوَن. إلاَّ الذين آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَات وذَكَرُوا الله كَثيراً وانْتَصَرُوا من بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وسَيَعْلَمُ الذّينَ ظَلَمُوا أيَّ مُنْقَلَبِ يَنْقَلِبُون}[1]. وقال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَه إنْ هُوَ إلاَّ ذِكْرٌ وقُرآن مُبِين}[2].
وقد ورد في الحديث. "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً"[3].
ففي الآية الأولى لا نجد تحريماً للشعر، والحديث الشريف ينفر من الشعر السيء أي إنه لا يحرم الشعر بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم. "إن من الشعر حكمة"[4] وقوله صلى الله عليه وسلم: "أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل"[5].
وقد قال صلى الله عليه وسلم لحسان: "أهجهم أو هاجهم وجبريل معك"[6]. وكان صلى الله عليه وسلم يسمع الشعر من وفود العرب، وربما رضي عن المذنب بسبب شعره كما حصل لكعب بن زهير عندما ألقى قصيدته: "بانت سعاد" بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن خلال ما تقدم يتضح لنا أن المحرم من الشعر هو ما أتى بالشرك وصرف عن الإِسلام أو خالف مبادئه أما غير ذلك فلم يرد فيه تحريم.